03 ديسمبر 2018 م

الهداية القرآنية

الهداية القرآنية

القرآن الكريم هو كلمة الله الأخيرة إلى البشرية جمعاء، أنزله الله تعالى على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبه انقطع وحي السماء إلى أهل الأرض؛ لذلك كان القرآن الكريم -وسيظل- كتاب هداية على مَرِّ الأزمان، يتجدد فهمه دائمًا؛ فلا تنتهي عجائبُه، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرَّدِّ.

إلا أنَّ المُطَالِع لآيات الكتاب الحكيم سيجد أن مادة: "الهداية" قد وردت فيه بصيغ مختلفة وفي مواضع شتَّى؛ ففي فاتحة الكتاب -أُمِّ القرآن- وردت هذه المادة بصيغة الدعاء على ألسنة المؤمنين في قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، وفي أول سورة البقرة وردت وصفًا للقرآن الكريم بأنه: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾؛ حيث قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وفي السورة نفسها وردت أيضًا وصفًا للقرآن الكريم بأنه ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾؛ فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].

- فما معنى الهداية؟ وما المراد بها في القرآن الكريمِ؟

الهُدَى والهِدَاية: في مقابلة الضَّلالِ والضَّلالَة، ومعناها: الدلالة والإرشاد على ما من شأنه أن يتحقَّقَ به المطلوب، وقد اشترط بعضُ العلماء اللطف -الذي هو بمعنى الرِّفق- في معنى الهداية؛ فهي ليست مجرَّدَ دلالة وإرشاد، وإنما هي دلالة وإرشاد بلطفٍ ورفقٍ.

والهدايةُ في القرآنِ الكريمِ هدايةٌ خاصَّةٌ وهدايةٌ عامَّةٌ:

فالهدايةُ العامَّةِ هي: ما يكون فيها الإرشاد للناس كافَّةً؛ لأنَّها شرط التكليف، فلا بد من وجود رسول ومُبلِّغ للعباد عن ربِّ العزَّةِ جلَّ وعلا حتى يصح التكليف، ومن ثَمَّ تكون المحاسبةُ والإثابة والمعاقبة؛ قال تعالى مخاطبًا رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]، وخاطبه أيضًا فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: 52]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15]، وهذا النوع من الهداية حاصلٌ للناس جميعًا حتى للأمم المكذِّبَة؛ قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: 17].

وأما النوع الآخر للهداية هو: الهداية الخاصَّة بالمؤمنين أو بمن اختصَّته المشيئة الإلهية، ومعناها: التَّوفيق والإعانة، وتلك الهداية تكون بخلقِ البواعث التي تميل بالإنسان إلى الإيمان بالله تعالى واعتناق شرعه، وطاعته في جميع الأوامر والنواهي، وهذا النوع من الهداية محض تصرُّفٍ إلهيٍ، لا يملكه أحد غيره، حتى أنَّ الخالق سبحانه وتعالى نفاه عن أحب عباده إليه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال تعالى مخاطبًا إياه: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [القصص: 56].

وهذا النوع من الهداية هو المنفي عن بعض الناس الذين ذكرهم الله تعالى بأوصافهم؛ مثل قوله تعالى: ﴿وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 258]، وذلك في تذييل حوار سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمروذ ومنازعته في حقِّ الرَّبِّ الكريم سبحانه وتعالى، فنفى عنه حصول هداية التوفيق بسبب ظلمه، وعلى هذا تقاس سائر الآيات التي فيها نفي الهداية.

والمؤمنون يسألون الله تعالى الهداية ويدعونه في صلواتهم؛ فيقولون: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، وفي هذا إشارتان:

الأولى: أنَّهم يسألون الله تعالى هداية المعونة والتوفيق التي اختصَّها سبحانه لنفسه.

والثانية: أنَّهم يسألون هذه الهداية؛ طلبًا للثبات والديمومة والاستمرار على ما هم عليه من الطاعة، وأيضًا رغبة في مزيدِ الهداية؛ لأنَّ الألطافَ والهدايات والارتقاء في المقامات لا نهاية لها.

ومما سبق يتبين لنا أنواع الهداية الواردة في القرآنِ الكريم، والتي من خلالها نفهم كلام ربنا جلَّ وعلا فَهمًا صحيحًا تنتفي معه أيُّ إشكالاتٍ تعرض للمتدبِّر لآياته من أول وهلةٍ؛ فهو كتابٌ عزيزٌ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

________________________

المراجع:

- "المفردات في غريب القرآن" للإمام الراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة الأولى، دار القلم، الدار الشامية – دمشق، بيروت: 1412هـ.

- تفسير الإمام أبي السعود العمادي الـمُسمَّى: "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم"، ط: دار إحياء التراث العربي -بيروت.

- "التسهيل لعلوم التنزيل" للإمام ابن جُزي الكلبي، تحقيق: د/ عبد الله الخالدي، الطبعة الأولى، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم -بيروت: 1416هـ.

- "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، للقاضي البيضاوي، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشلي، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي -بيروت: 1418هـ.

 

الله تعالى هو العليم، وعلمه سبحانه محيط وشامل لكل شيء؛ فهو عليم بخلقه وعباده يعلم أن لهم حوائج لا تقضى إلا بأمره، ولا يُنَالُ منها شيءٌ إلا بفضله، فهو الغني وهُم الفقراء إليه، وقد جعل سبحانه لكل شيء بابًا، وجعل بابه الدعاء؛ فمن لزمه بيقين وتضرع نال كلَّ خيرٍ وحصَّل كل مطلوب، ومن ابتعد عنه فقد كل شيء، ولن يجد غير بابه مَلجأً يلجأ إليه.


لَمَّا عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج رأى سيِّدَنَا إبراهيم عليه السلام مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -يعني نَفْسَهُ صلى الله عليه وآله وسلم-» رواه مسلم، إنه خليل الله الذي أسلم وجهه لله؛ فقال عنه الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة البقرة: 130-131]، فلَمَّا كان كذلك، كان اليقين والتسليم مفتاح شخصيته، فهذا أهم سمة تُميز نبي الله إبراهيم عليه السلام.


قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ [النساء: 114]. يحرص الإسلام على توجيه أتباعه إلى التزام الأخلاقيات الفاضلة والسلوكيات الراقية حتى تَزكُوَ نفوسُهم، وتستقيمَ أمور معايشهم، ومن أبرز ما رغَّب الإسلام إليه، وحبب فيه: اشتغال الإنسان بما يعنيه؛ لأن هذا سيعود عليه بالنفع الكثير، كما أنَّ تركيز الإنسان في فعل ما هو مطلوب منه وفي إدارة شؤون نفسه سيجعله مصروفًا عن الاهتمام بخصوصيات الآخرين وتتبُّعها، ومبتعدًا عن التدخل في شئونهم.


لما خلق الله تعالى الخلق جعل لهم حدودًا ورسم لهم طريقًا مستقيمًا لا عوج فيه ولا انحدار، ولأجل أن يبلغهم شريعته ومنهاجه أرسل إليهم رسلًا ليبلِّغوهم ما أنزل إليهم، وليرشدوهم إلى طريقٍ مستقيمٍ؛ {دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [الأنعام: 161]، فكانوا هم أول من يُؤْمر، فاصطفاهم الحق سبحانه واختارهم من بني البشر ليكونوا قادةً وقدوةً حسنة لأممهم، فتجلت الدعوة الإلهية إليهم في أسمى معانيها بالدعوة إلى الاستقامة والعدل في جميع الأمور بلا إفراط ولا تفريط.


حرص الإسلام على ترتيب شؤون الناس بما يحقِّق لهم المصلحةَ في العاجل والآجل، ويبتعد بهم عن كل ما يؤدي إلى الضرر والمفسدة؛ فأرشدهم إلى تحصيل أسباب القوة، وأمرهم بإتقان العمل، ونهاهم عن التسرع وعدم التَّروي في الأقوال والأعمال على غير علم وتَمَكُّنٍ وتَحَقُّقٍ، ودعاهم إلى ردِّ الأمور إلى أهل الخبرة ومراعاة التخصص؛ فهم أحق بها وأهلها؛ فقال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 25 أبريل 2025 م
الفجر
4 :44
الشروق
6 :17
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 29
العشاء
8 :52