تأشيرة دخول البلاد وأثرها في الأمان

تاريخ الفتوى:09 مارس 2015 م


الأمان في اللغة:
عدم توقع مكروه في الزمن الآتي، ويرد الأمان تارة اسمًا للحالة التي يكون عليها الإنسان من الطمأنينة، وتارة لعقد الأمان أو صك، واستأمنه طلب منه الأمان، واستأمن إليه دخل في أمانه. ينظر: "المفردات" للراغب الأصفهاني (90، ط. دار القلم)، و"تاج العروس" (34/ 184، ط. دار الهداية)، و"المصباح المنير" (24، مادة: أمن، ط. المكتبة العلمية).

أما في الاصطلاح؛ فقد قال العلامة الخطيب الشربيني: [الأمان، وهو ضد الخوف، وأريد به هنا ترك القتل والقتال مع الكفار، هو من مكايد الحرب ومصالحه، والعقود التي تفيدهم الأمن ثلاثة: أمان وجزية وهدنة؛ لأنه إن تعلق بمحصورٍ فالأمان، أو بغير محصورٍ، فإن كان إلى غايةٍ فالهدنة وإلا فالجزية، وهما مختصان بالإمام بخلاف الأمان] اهـ. "مغني المحتاج" (4/ 236، ط. دار إحياء التراث العربي).

والمستأمن: من يدخل إقليم غيره بأمان مسلمًا كان أم حربيًّا. ينظر: "الدر المختار" (3/ 247 ط. دار إحياء التراث).

الإسلام دين جاء بكل فضيلة، وبيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وقد بين القرآن الكريم أن من صفات المؤمنين أنهم يوفون بالعهد، وأنهم لا ينقضون الميثاق، وأن نقض الميثاق من صفات الملعونين؛ فقال تعالى: ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ۞ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ۞ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ۞ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ۞ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ۞ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [الرعد: 19-25].

وقد فهم الجيل الأول هذا المعنى وطبقوه حتى في عصر الفتنة؛ فعن سعيد بن المسيب أن معاوية رضي الله عنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: ما خفت أن أقعد لك رجلًا فيقتلك؟ فقال: أكنت لتفعلي وأنا في بيت أمانٍ، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ»، كيف أنا في الذي بيني وبينك وفي حوائجك؟ قالت: صالح. قال: فدعينا وإياهم حتى نلقى ربنا عز وجل. أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

وعن الحسن قال: قال رجل للزبير رضي الله عنه: ألا أقتل لك عليًّا؟ قال: كيف تقتله؟ قال: أفتك به. قال: لا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الإيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مُؤمِنٌ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

وعن رفاعة بن شدادٍ قال: كنت أقوم على رأس المختار، فلما تبينت لي كذابته هممت -ايم الله- أن أسل سيفي فأضرب عنقه حتى تذكرت حديثًا حدثنيه عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ آمَنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، وفي رواية مختصرة -ليس فيها ذكر القصة- عند ابن حبان: «أيُّمَا رَجُلٍ أمَّن رَجُلًا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا».

فهذا التابعي الثقة رفاعة، تبين له كذب المختار وأنه كان يدعي النبوة في آخر أمره، فكاد أن يقتله، لكنه لما كان المختار أمنه على دمه، ترك قتله في هذه الحالة.

مما سبق يتبين أن السلف كانوا على عموم التحذير الوارد في الأحاديث مثل حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْغَادِرَ يَنْصِبُ اللهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَان» متفق عليه.

وقد جاء الإسلام شاملًا لكل أمور الحياة، فلم يجعل الوفاء بالعهد بين أتباعه فقط، بل نظَّم أمر الأمان بين المسلمين وغيرهم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وهذا عام يشمل الوفاء فيما بينهم، وفيما بينهم وبين غيرهم، وأَمَرَهم بعدم الانقياد للعواطف، والعمل بالعدل ولو مع العدو البغيض؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]، فأمر بعدم حمل بغضهم قومًا على عدم العدل معهم، ولا ريب أن من أهم أسس العدل الوفاء بالعهد مع الآخرين، كما أنه نزل رحمة للعالمين، وهذا يقتضي معرفة الناس له بسماع القرآن الكريم، والتعرف على أحكام الإسلام؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6]. فإن دخل أحد من غير المسلمين لديار الإسلام بأمان لسماع القرآن أو لغرض آخر جائز كتجارة ونحوها، وجب على المسلمين جميعًا تأمينه على نفسه وماله وعرضه حتى يبلغ مأمنه.

والأمان إن كان مع دولة غير مسلمة لا ينبغي قتالها إلا بعد إعلامها بترك المسلمين للعهد إن خافوا منهم غدرًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: 58]، وعن سليم بن عامرٍ قال: كان بين معاوية رضي الله عنه وبين أهل الروم عهد، وكان يسير في بلادهم حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم فإذا رجل على دابةٍ أو على فرسٍ وهو يقول: الله أكبر وفاءً لا غدر. وإذا هو عمرو بن عبسة رضي الله عنه، فسأله معاوية رضي الله عنه عن ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَحُلَّنَّ عَهْدًا، وَلاَ يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ». قال: فرجع معاوية رضي الله عنه بالناس. أخرجه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

والأمان إن صدر من مسلم وجب على المسلمين جميعًا العمل بمقتضاه، سواء صدر من عظيم أو وضيع، رجلًا كان أو امرأة، وقد وردت الأحاديث بذلك؛ كما ورد عن أم هانئٍ بنت أبي طالبٍ رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قاتل رجلًا أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد أَجَرْنا مَن أَجَرْتِ يا أمَّ هانئٍ» متفق عليه، وعند أبي داود: «قد أجَرْنَا من أجَرْتِ وآمَنَّا مَن آمَنْت»، وعند الترمذي: «قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ». قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم، أجازوا أمان المرأة، وهو قول أحمد، وإسحاق أجاز أمان المرأة والعبد... وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجاز أمان العبد، وقد روي عن علي بن أبى طالبٍ وعبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ». ومعنى هذا عند أهل العلم أن من أعطى الأمان من المسلمين فهو جائز على كلهم] اهـ.

وقال الإمام البدر العيني: [وفيه من الفقه جواز أمان المرأة، وأن من أمنته حرم قتله، وقد أجارت زينب بنت رسول الله أبا العاص بن الربيع، وعلى هذا جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق؛ منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق، وهو قول الثوري والأوزاعي] اهـ. "عمدة القاري" (15/ 93، ط. دار إحياء التراث العربي).

وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز" أخرجه أبو داود.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما.

قال الإمام ابن عبد البر: [ومعنى قوله: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِم أَدْنَاهُم» أن كل مسلم أمَّن من الحربيين أحدًا جاز أمانه؛ دنيئًا كان أو شريفًا، رجلًا كان أو امرأة، عبدًا كان أو حرًّا، وفي هذا حجة على من لم يجز أمان المرأة وأمان العبد] اهـ. "الاستذكار" (2/ 263، ط. دار الكتب العلمية).

وإن كان إعطاء الأمان يجوز من آحاد الرعية من رجل وامرأة وحر وعبد، فمن باب أولى يجوز من الأمراء ورجال الدولة، ومن رئيس الدولة نفسه، وذلك يكون الآن بمنح تأشيرة دخول على جواز السفر مختومة بختم الدولة، ومكتوب فيه إجازة الدولة لصاحب التأشيرة بدخول أراضيها والإقامة فيها مدة مقررة.

قال الإمام النووي: [قد تقتضي المصلحة الأمان لاستمالته إلى الإسلام، أو إراحة الجيش، أو ترتيب أمرهم، أو للحاجة إلى دخول الكفار، أو لمكيدةٍ وغيرها، وينقسم إلى عام، وهو ما تعلق بأهل إقليمٍ أو بلدٍ، وهو عقد الهدنة، ويختص بالإمام وولاته، وسيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى- وإلى خاص وهو ما تعلق بآحادٍ، ويصح من الولاة والآحاد] اهـ. "روضة الطالبين" للنووي (10/ 278، ط. المكتب الإسلامي).

وقال العلامة البهوتي: [(و) يصح أمان (من إمام لجميع المشركين)؛ لعموم ولايته، (و) يصح (من أمير لأهل بلدة جعل بإزائهم)؛ لعموم ولايته في قتالهم. وأما بالنسبة لغيرهم فكآحاد المسلمين، (و) يصح (من كل أحد) يصح أمانه (لقافلة وحصن صغيرين عرفًا) واختار ابن البنا كمائة فأقل. فإن كان لأهل بلد أو رستاق أو جمع كبير لم يصح من غير إمام أو نائبه بإزائهم؛ لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد والافتئات عليه] اهـ. "شرح منتهى الإرادات" (1/ 652، ط. عالم الكتب).

وقال الإمام الكاساني: [وكذلك الذكورة ليست بشرطٍ، فيصح أمان المرأة؛ لأنها بما معها من العقل لا تعجز عن الوقوف على حال القوة والضعف، وقد روي أن سيدتنا زينب بنت النبي المكرم عليه الصلاة والسلام أمنت زوجها أبا العاص رضي الله عنه، وأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانها، وكذلك السلامة عن العمى، والزمانة والمرض، ليست بشرطٍ، فيصح أمان الأعمى والزمن والمريض؛ لأن الأصل في صحة الأمان صدوره عن رأيٍ ونظرٍ في الأحوال الخفية من الضعف والقوة، وهذه العوارض لا تقدح فيه، ولا يجوز أمان التاجر في دار الحرب، والأسير فيها، والحربي الذي أسلم هناك؛ لأن هؤلاء لا يقفون على حال الغزاة من القوة والضعف، فلا يعرفون للأمان مصلحةً، ولأنهم متهمون في حق الغزاة؛ لكونهم مقهورين في أيدي الكفرة، وكذلك الجماعة ليست بشرطٍ، فيصح أمان الواحد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ويَسْعَى بِذِمَّتِهِم أَدْنَاهُم»، ولأن الوقوف على حالة القوة والضعف لا يقف على رأي الجماعة، فيصح من الواحد وسواء أمن جماعةً كثيرةً أو قليلةً، أو أهل مصرٍ أو قريةٍ، فذلك جائز] اهـ. "بدائع الصنائع" (6/ 107، ط. المكتبة العلمية).

وإذا وقع الأمان من الإمام أو من غيره بشروطه وجب على المسلمين جميعًا الوفاء به، فلا يجوز الاعتداء على أرواحهم أو أموالهم أو أعراضهم بغير وجه شرعي؛ قال الشيخ الدردير: [(و) إذا وقع الأمان من الإمام أو من غيره بشروطه (وجب) على المسلمين جميعًا (الوفاء به)، فلا يجوز أسرهم ولا أخذ شيءٍ من مالهم إلا بوجهٍ شرعي، ولا أذيتهم بغير وجهٍ شرعي] اهـ. "الشرح الصغير" (2/ 288، ط. دار المعارف).

وقال الإمام النووي: [إذا انعقد الأمان صار المؤمَّن معصومًا عن القتل والسبي، فلو قتل، قال الإمام: الوجه عندنا أنه يضمن بما يضمن به الذمي، وهو لازم من جهة المسلمين] اهـ. "روضة الطالبين" للنووي (10/ 281، ط. المكتب الإسلامي).

وأما ما ينعقد به الأمان فهو كل ما يفيد ذلك من لفظ صريح كـ"أنت آمن"، أو كناية كـ "أنت على ما تحب". أو إشارة مفهمة؛ لكون الإسلام حريصًا على حقن الدماء؛ قال الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا﴾ [المائدة: 32].

قال الشيخ زكريا الأنصاري: [(وينعقد) الأمان (بالصريح؛ كأجرتك وأمنتك وأنت مجاور)، أنت (آمن ولا بأس عليك، ولا تخف ولا تفزع، ومترس بالعجمية) أي لا خوف عليك... (وبالكناية؛ كأنت على ما تحب، وكن كيف شئت، ونحوه) كالمذكور بقوله: (وبكتابة) بالفوقانية (وبإرساله) أي المسلم المذكور مكلفًا (ولو كافرًا وبالتعليق بالغرر)؛ كقوله: إن جاء زيد فقد أمنتك لبناء الباب على التوسعة، (وبإشارةٍ مفهمةٍ ولو من ناطقٍ)، لكن يعتبر في كونها كنايةً من الأخرس أن يختص بفهمها فطنون، فإن فهمها كل أحدٍ فصريح... (فإن أشار مسلم لكافرٍ فظنه أمَّنه) بإشارته (فجاءنا وأنكر المسلم) أنه أمَّنه بها (أو أمَّنه صبي ونحوه) ممن لا يصح أمانه (وظن صحته) أي الأمان (بلَّغناه مأمنه) ولا نغتاله لعذره... (فإن مات المشير قبل أن يبين فلا أمان ولا اغتيال) فيبلغ المأمن] اهـ. "أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/ 203، ط. دار الكتاب الإسلامي).

قال العلامة ابن قدامة: [وقال عمر رضي الله عنه: والله لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل بأمانه فقتله لقتلته به، رواه سعيد. وإن مات المسلم أو غاب فإنهم يردون إلى مأمنهم، وبهذا قال مالك والشافعي وابن المنذر، فإن قيل: وكيف صححتم الأمان بالإشارة مع القدرة على النطق بخلاف البيع والطلاق والعتق؟ قلنا: تغليبًا لحقن الدم كما حقن دم من له شبهة كتاب تغليبًا لحقن دمه؛ ولأن الكفار في الغالب لا يفهمون كلام المسلمين، والمسلمون لا يفهمون كلامهم، فدعت الحاجة إلى التكليم بالإشارة بخلاف غيره] اهـ. "المغني" (9/ 323، ط. مكتبة القاهرة)، و"أسنى المطالب شرح روض الطالب" (4/ 203، ط. دار الكتاب الإسلامي).

ويعطى المستأمن الأمان بشرط عدم الإضرار أو وجود مصلحة للمسلمين؛ قال العلامة البهوتي: [(و) يشترط للأمان (عدم الضرر علينا) بتأمين الكفار] اهـ. "كشاف القناع" (3/ 104، ط. دار الفكر).

وقال الشيخ الدردير: [ثم شرط الأمان (إن لم يضرَّ) بالمسلمين بأن يكون فيه مصلحة أو استوت المصلحة وعدم الضرر، فإن أضر بالمسلمين وجب ردُّه] اهـ. "الشرح الكبير" (2/ 186، ط. دار الفكر).

هذا المذكور أغلبه في المحاربين إذا دخلوا دار الإسلام بأمان، فمن باب أولى الذين بيننا وبينهم عهد، فالأصل فيهم الأمان قبل الدخول؛ ولذا فهم أولى بهذه الأحكام من الحربيين.

وبناءً عليه: فإن تأشيرة الدخول لها حكم عقد الأمان، فيحرم إيذاء المحاربين إذا دخلوا بالتأشيرة، ومن باب أولى المعاهد كما أن العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات بين تلك البلاد وبعضها بمثابة معاهدة لا يفتقر بعدها إلى عقد أمان آخر، وفي حالة الدول المتحاربة فإن الهدنة هي نوع من عقد الأمان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54